ثلاثة قرون ونصف القرن مرت على بنائه ، تاج محل.. قصة حب اسطورية خالدة عبر الزمن يزوره مالا يقل عن ثلاثة ملايين شخص سنوياً
ربما تكون وقائع ورومانسيات قيس وليلى أو روميو وجوليت أو نبوخذ نصر الذي بنى حدائق بابل المعلقة في العراق تكريما لزوجته, هي الأكثر شهرة من غيرها, الا ان ذلك لا يعني تفردها في الاخلاص والوفاء والتضحية, بل هناك ابداعات اخرى لا تقل اهمية عن تلك,
إنها حياة امرأة ضربت أروع الأمثلة على الوفاء والاخلاص فتفتحت لها ابواب التاريخ الواسعة واصبحت سيرتها على كل لسان وصار ضريحها إحدى عجائب الدنيا السبع هي المرأة الهندية المسلمة التي رفعت من شأن نساء العالم في ذلك الوقت واثبتت ان العقل والعاطفة والعمل خطوط متساوية لا تناقض فيها على الإطلاق. ومن روعة وتفرد هذا المكان ـ الذي يقصده مالا يقل عن ثلاثة ملايين شخص سنويا من داخل وخارج الهند ـ , تغنى به العديد من الشعراء مثل طاغور فيما وصف الشاعر الانجليزي السير(ادوين ارنولد) تاج محل بقوله الشهير: هي ليست قطعة معمارية كغيرها من الابنية ولكنها رغبات امبراطور تعكس حب امبراطور سامِ كتبت بأحجار حية
ويحمل هذا الصرح الرائع بين جدرانه قصة حب نادرة ومكائد ومؤامرات حاقدة من أقرب المقربين طمعا في السلطة والجاه, ورغم مرور اكثر من 350 عاما على بناء تاج محل الا انه لا يزال شعاع البدر الهادىء والمتهادي بني بمشاعر الحب البيضاء ونوافير العاطفة الجياشة والاحجار الطيعة اللينة التي تحمل في طياتها ما تحمل من جماليات ومنمنمات في غاية الروعة, كما ان القلاع المحيطة به في اجرا ما هي الا فرقة موسيقية تشير الى نجم الحفل (تاج محل) . تاج محل.. شهادة ميلاد للحب الخالد, قصائد من الرخام الأبيض الطاهر حيث يمتزج الفن المعماري مع التضحيات الانسانية والمشاعر الفياضة. حقاً, انها احتفالية بعظمة نسائية سطرت بالاحجار صرحاً ينم عن عمق تقدير للمرأة والنساء عموما فيما يراها البعض حلما بهيا قلما يزور النائم . ويعتبر تاج محل من اعجب عجائب الدنيا بل ويعتبرها بعض الباحثين الغربيين تحفة معمارية لم يولد مثيل لها حتى الآن. ولا عجب في ذلك فتاج محل, اجمل صرح بناه المغول خلال فترة حكمهم للهند.
أعراق وجذور
وتعني كلمة تاج محل (قصر التاج) فيما لا تعرف حتى الآن اصل تسمية القصر بتاج محل , لان المؤرخين من عهد شاه كانوا يطلقون عليه (روزا) ممتاز محل اي ضريح ممتاز محل. وفيما بعد شاع اسم تاج محل ويترجم على انه قصر التاج او تاج القصر. وتعود جذوز قصة بناء تاج محل الى زواج شاه جيهان ـ الذي كان يعرف وقتها باسم الامير حزام وصار فيما بعد الامبراطور المغولي الخامس, واسمه شهاب الدين ـ من تاج محل واسمها الحقيقي هو ارجمند نانو بيجام بنت آصف خان رئيس التشريفات في القصر الملكي التابع للملك جيهانكير سلطان المغول المسلمين في منقطة اجرا عاصمة الهند في ذلك الوقت, ووالدها آصف خان كان شقيقاً لنور جيهان زوجة السلطان, وكان في تقليد المغول النساء المهمات في العائلة المالكة يمنحن اسماء اخرى عند الزواج وفي بعض الاحداث المهمة في حياتهن وبعد ذلك يشيع الاسم الجديد ويصير مستخدما من قبل الناس عامة. وعلى الرغم من ان هذا الزواج كان الثاني لشاه الا انه كان نابعا من قصة حب حقيقية وتجربة عاطفية سامية. وكانت ممتاز رفيقة دائمة لزوجها لا تتركه في كل رحلاته وسفرياته وجولاته وزياراته ومهماته العسكرية بل ومستشارته وصديقته وكانت الدافع القوي لقيامه بالكثير من اعمال الخير والبر وخصوصا مع الضعفاء والفقراء والمحتاجين. وانجبت ممتاز من شاه اربعة عشر ولدا وماتت على فراش الولادة في العام 1630 بعد ثلاث سنوات من خلعه من العرش في بورهانبور في ديسان عندما كانت ترافقه في حملة عسكرية وعندما عاد الى السلطة اعتزم شاه ان يخلد ذكرى زوجته وقرر بناء التاج. وكان حب شاه لزوجته هو السبب في ابداع (تاج محل) وكان للظروف الحزينة التي اعقبت موت الامبراطورة اعمق الوقع وابلغ الاثر في إلهام الامبراطور لتشييد هذا القصر الكبير الذي اقامه في اجرا عاصمة حكم المغول. ولم يكن غريبا بناء تاريخ تاج محل في مدينة اجرا عاصمة الامبراطور المغولي خلال القرن السادس عشر واوائل القرن الثامن عشر التي تبعد نحو ساعة عن دلهي الجديدة بالسيارة حيث تنتشر في المدينة القلاع الجملية ذات الاحجار الحمراء التي قام ببنائها الاباطرة المغول. وكان بناء تاج محل مشروط بتنفيد اربعة اشياء طلبتها ممتاز من زوجها بعد موتها وتعكس جميعها مدى الحب وعمق الشعور التي كانت تكنه له, وتتمثل في: ان يبني تاج محل, ان يتزوج بعدها, ان يحسن معاملة ابنائه, ان يقوم بزيارة الضريح في الذكرى السنوية لوفاتها. ولكن في الواقع لم يستطع الامبراطور شاه الوفاء الا بالوعدين الأول والثاني.
البكاء على الأطلال وعندما اعتقل لمدة ثماني سنوات توفي في آخرها في القلعة الحمراء الكبيرة التي تقع قبالة تاج محل كان ينظر يوميا الى هذا الصرح الخالد ولا يتحسر على زوال عرشه وخلعه من الحكم بقدر ما كان يبكي وفاة زوجته الغالية التي لم تستطع امرأة غيرها ان تمنحه الحب الذي منحته اياه ولم يستطع اي شيء في العالم ان يعوضه الحنان الذي افتقده بعد وفاتها وهي تضع له ابنه الرابع عشر. انه تاج محل القبر او الضريح الذي شيده شاه تقديرا ووفاءً لزوجتة ورفيقة درب حياته. إلا ان الدوافع والتفصيلات الحقيقية والدقيقة حول الايام وكيف دارت بين الزوجين وخاصة لحظات البؤس الذي عاشته الملكة بسبب الوشايات والدسائس التي تمت داخل القصر. فقد وهب الله سبحانه وتعالى ممتاز محل جمالا متميزا غير عادي يجذب الكبار والشباب على السواء مما كان دافعا قويا لنظرات الآخرين بل والاقربين من داخل القصر حيث فتن بجمالها الامير برويز الابن الاصغر للسلطان جيهانكير. عاش الزوجان شاه جيهان وممتاز طوال 19 عاما وكانت سيرتهما على كل لسان من المحبين والعشاق حتى كان يضرب بهما المثل إلا انه وفي عام 1930 قام الامبراطور شاه جيهان بحشد قواته بكل ما لدية من امكانيات عسكرية وبشرية وبدأ حملة عسكرية ضد ابنه والوريث لمملكته وحكمه في منطقة ديكان, وقد شاء القدر ان يمنحه النصر على التمرد والسيطرة عليه إلا انه وحينما رجع الى مقره في اجرا علم بمغادرة زوجته لهذا العالم ووفاتها خلال ولادتها لأبنه ذي الترتيب الرابع عشر بين انجاله. ومن تلك اللحظة ولشدة تأثره وحبه لها ووفائها لذلك كله, ورغم اعتراض اولاده قرر ان يقيم لها ضريحا متميزا لا يضارعه آخر على وجه الأرض ويساوي في الجمال والروعة والصفاء جمال حبيبته وزوجته فكان الرخام كله من اللون الأبيض دليل الحب الصافي والاخلاص في المشاعر, وفعلا كان له ذلك ببناء صرح تاج محل وذلك على الضفة المقابلة لقصره على نهر (يامونا) ليتمكن من العيش على ذكراها صباح مساء. وتقول الروايات التي انطلقت على حياة الامبراطور شاه جيهان انه كان يعتزم بناء قصر مواجه لتاج محل ليكون ضريحا له شخصيا عند وفاته ومقابلا لضريح زوجته ولكن مع وجود فارق بينهما وهو ان الأول ضريح تاج محل من الرخام الابيض اما ضريحه هو فسيكون باللون الاسود بحيث يربط بينهما جسر كبير. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ولم يتحقق هذا الحلم حيث قام احد ابنائه بالحجر عليه واعتقاله بعدما قاد انقلاباً ضده وسيطر على العرش الملكي وبالتالي قام بسجن والده في قصرة المقابل لضريح تاج محل حتى توفي إلا انه وبدوافع انسانية اقترح بعض اعوان الامبراطور الجديد دفنه بجوار زوجته.
مؤامرات القصر ومن الروايات التي تتردد على ألسنة الناس حول شاه جيهان انه كان مقاتلا شجاعا طوال حياته فعندما كان اميرا كلفه ابوه السلطان جيهانكير بالقيام بغزوات الى مناطق متمردة على المملكة اضافة الى المسئوليات الضخمة باعتباره وريثه المفضل, كانت ارجمند تنتظر عودته على احر من الجمر وزادت من حبها له الانتصارات التي حققها خلال جولته في الخارج, حيث استطاع ان يخضع العديد من المناطق لسيطرة والده. وفي المقابل كلما ازدادت انتصارات شاه جيهان كلما ازدادت المكائد والدسائس ضده في القصر, حيث كانت عمته نور جيهان (زوجة والده السلطان) له بالمرصاد حينما وجدت عيون وقلوب كل من في القصر متعلقة بارجمند بمن فيهم الحاشية الملكية كبيرهم وصغيرهم, وكانت هي بمثابه العقل المدبر لكل ماحدث لارجمند من مكائد ومؤامرات داخل القصر في محاولة لمنع زواج ارجمند بالامبراطور شاه جيهان خشية ان تنجب له وريثاً للعرش يحرم اولادها من الحكم مستقبلا, خاصة وان شاه جيهان عقد العزم على تولية العرش لأي من ابنائه ليكون وريثا شرعيا, ولذلك عمدت الى محاولة التخلص من شاه جيهان ومحاولة افساد العلاقة بينه وبين ارجمند, وعمل على اقناع والده الامبراطور جيهانكير بارساله الى المعارك في الخارج في محاولة للخلاص منه من قبل الهنادكة الأقوياء الذين يكنون العداء للسلطان وابنائه, بل يقال انها قامت بمحاولات غير شريفة للنيل من اخيها آصف والد ارجمند وذلك بالاتفاق مع عدد من المجرمين للتخلص منه كذلك حاولت الامر نفسه مع شاه جيهان ولكن عندما خابت كل خططها وعرفت بانتصاراته وعودته سالما استطاعت انتزاع القرار السلطاني الذي يقضي باعاده شاه جيهان من حيث أتى ليكون وليا للسلطان هناك على الاراضي الجديدة التي انتصر فيها وفي الحقيقة كانت النوايا تنحصر في محاولة ابعاده عن القصر بأي وسلية كانت. فما كان من أرجمند الا ان جن جنونها بهذا الخبر لانها تعرف انها لا تسطيتع الابتعاد عن حبيبها مهما كلف الامر وتعلم انه يبادلها نفس الشعور والوفاء. وفي صورة رومانسية وحوار دافئ بين شاه جيهان وارجمند حول مستقبل ومصير علاقتهما, أصر الشاب على التمسك بارجمند ورفض الانصياع لأوامر والده بالعودة الى المكان الذي سيكون فيه
يتبع...